اتخاذ القرار خلف الكواليس
يمزج تنظيم المعارض المخصَّصة بشكل رئيسي للمحتوى الرقمي، بين الصرامة التقليدية للمعارض، وبين المكونات والاعتبارات الرقمية الفريدة. وإذا أخذنا الأفلام كمثال، نجد أن هناك اعتبارات تتعلق بمتطلبات الترخيص والجودة والتوافر، ولكن قبل ذلك، يجب أن يكون هناك تفكير عميق بمقاطع الفيلم واختيار ما يجب إدراجه في المعرض.
لدى تنظيم معرض ما، تبرز الحاجة للنظر في كيفية تناسق الأفلام المختلفة معاً، بحيث تشكّل هذه الأفلام مجتمعةً قصة سردية تجذب الجمهور. هل هناك تركيز على بلدٍ واحد أو قصة واحدة دون غيرها؟ هل هناك توازن بين المكوّنات والعناصر؟ هل نحن نقدّم جانباً واحداً (فقط) أو جوانب متعددة من القصة؟ ورغم أنه تم التركيز على بعض القضايا بشكل كبير في الأفلام العربية – مثل قضية الصراع الفلسطيني- إلا أنَّ اتباع نهج أكثر شمولية يتيح لشرائح أكبر من الجمهور البحث عن خيارات تمثّلهم، ويجدون أنفسهم فيها. لذا، يقضي القيّمون على المعارض وقتاً طويلاً في التفكير في شرائح الجمهور المختلفة، وكيفية اجتذابها إلى المعرض ومحتواه.
على الصعيد الإقليمي، سيطرت مصر على الإنتاج السينمائي العربي في البدايات، لكن كان من المهم أن لا تُحصر الأفلام المشارِكة في معرض الهويات العربية بحدود القاهرة، بل وَجَبَ أن تتجاوزها لتقدِّم منبراً لأفلام دول الوطن العربي قاطبةً، حتى لو لم تكن تلك الأفلام قد لاقت النجاح المطلوب، أو لم تحظَ بنسب مشاهدة عالية من قبل الناس. يُعدٌّ توزيع الأفلام جزءاً هاماً من عملية صناعة الأفلام، ومن خلال عرض الأفلام الأقل عرضاً، يصبح المعرض جزءاً من عملية التوزيع - ومنبراً للأفلام المهمّة تاريخياً، ذات الصلة بالنقاشات المتعلقة بالهوية، والتي لم يُسمع بها في الغالب.
من الأمور الحسّاسة في هذا العمل موضوع الأصالة – أي فحص الأفلام لتحديد ما إذا كانت تصف بدقة الموضوعات / الأشخاص / الأماكن، وإذا لم تكن تفعل ذلك، فما هو السبب. هل هي مسألة نوعٍ فني أم مسألة إيجاز؟ هل هي مسألة نمطية أم حدثت سهواً؟ يمكن الإجابة على هذه الأسئلة في الغالب من خلال النظر إلى العديد من المواد المترابطة، بما في ذلك نقد الأفلام (المعاصرة والمتعاصرة على حد سواء)، والبحث في الأحداث التاريخية التي أحاطت بصناعة الفيلم، أو حتى المهمّة المباشرة المتمثّلة بمشاهدة الإضافات على قرص الفيديو الرقمي (DVD)الخاص بالفيلم، والذي غالباً ما يتضمن لقطات من وراء الكواليس وتعليقات المخرج والمقابلات. هذه المصادر الإضافية، المستمدّة من أماكن متعددة، تجيب في الغالب على التساؤلات حول قضية الهوية في الفيلم أكثر من مقاطع الفيلم نفسها، وهي ضرورية لتوسعة النقاش وإكماله.
ولعل السؤال الأهم الذي يجب على قيَّمي المعارض التفكير فيه هو: هل يمكن فهم هذا المقطع من الفيلم خارج السياق العام للفيلم؟ قد تكون هناك لحظات محورية في قصة الفيلم لا يمكن فهمها إلا إذا شوهد الفيلم بالكامل. إذا تمَّ اقتطاع مشهد من فيلم لإدراجه في المعرض، تُرى كيف يغيّر ذلك من رؤية المخرج، وكيف يمكن التلاعب بمعنى المشهد، وما الذي سيضيع منه؟ من خلال تصنيف المقاطع السينمائية التي تناقش جوانب متشابهة، والسماح لها بالتماهي ضمن علاقة حوارية داخل وعبر مواضيع المعرض، يحافظ القيّمون على النوايا الأصلية للمخرج ويحترمونها، كما يخلقون حواراً وتفاعلاً مع الجماهير بحيث يضيفون علاقاتهم وتفسيراتهم الخاصة إلى المعرض.
-
حقوق المؤلفين
أمل علي
أمل زياد علي خريجة جامعة نورثويسترن في قطر (دفعة 2018، بكالوريوس اتصالات) ومتدربة سابقة في مجلس الإعلام. ساهمت خلال دراستها في العديد من المشاريع البحثية والإبداعية، بما في ذلك المشروع المدعوم من قبل برنامج خبرات البحث الجامعي(UREP) حول التواصل الصحي في قطر، وحول الإنتاجات المسرحية والسينمائية. تعمل منذ تخرّجها مع مجلس الإعلام حول تطوير البرامج وورش العمل المرافقة للمعارض بما في ذلك معرض "الهويات العربية، الصور في الأفلام".