كيف يستطيع مجلس الإعلام أن يلمس الفرق الذي يتركه لدى الجمهور؟ الجماهير
حلم كل متحف هو أن يترك بصمة ويحدث فرقاً لدى زواره، ومن هنا فإن الرؤية الطموحة لمجلس الإعلام تتلخَّص في مساعدة الجمهور على استيعاب فكرة مفادها أن هناك دائماً جانباً آخر للقصص العالمية والإقليمية والمحلية، وتمكين الجمهور من وضع وسائل الإعلام المحيطة به تحت عدسة المجهر.
لكن كيف سيستطيع مجلس الإعلام أن يلمس الفرق الذي أحدثه لدى الجمهور؟ المطلوب هو عملية تقييم. هناك تعريف واضح يقول إن التقييم هو "عملية منظمة لتقدير ما إذا كان المشروع قد حقق أهدافه، والتفكير في الدروس المستفادة" (جامعة سوينبرن للتكنولوجيا، 2011). ولعله يمكن وصف الغرض من التقييم بأسلوب أكثر بساطة حين نقول إنه "برهان وتحسين" (سان فيليبو وآخرون، 2005). النقطة المهمة في هذا التعريف هو أن الغرض منه ليس فقط تقديم أدلة على ما تم إنجازه، بل الأهم هو الإضاءة على طريقة تحقيق هذا الإنجاز.
يتعاون مركز موريس هارغريفز ماكنتاير للاستشارات البحثية مع مجلس الإعلام لمساعدة المتحف على ترسيخ إطار عمل ثابت، ووضع استراتيجية للتقييم، وغرس مهارات وممارسات التقييم ضمن مفاصل المتحف. من حيث ممارسة التقييم، يعتبر الاحتمال مثيراً لأن المتحف فريد من نوعه من نواح عديدة. فهو أول متحف مخصص للإعلام في الوطن العربي، ويمتلك مساحة عرض تفاعلية مجهزة بأحدث التقنيات الرقمية المستمدة من قطاعاتٍ متعددة كوسائط البث الإعلامي مثلاً. يستقطب المتحف أيضاً عدداً من شرائح الجماهير المستهدفة المتمايزة نسبياً، التي تمتلك احتياجات ودوافع وسلوكيات مختلفة، وبالتالي تحتاج إلى منهجيات بحث مختلفة. تشمل هذه الشرائح طلاب الجامعات وأعضاء هيئة التدريس والمهنيين الإعلاميين والسكان المحليين. يقع المتحف في دولة قطر، وهي دولة حديثة العهد بمفهوم المتاحف، وذات خبرة قليلة في المشاركة في أبحاث الزوار، خاصة زوار المتاحف. يوفر هذا السياق فرصاً مبتكرة للتقييم، لكنه في الوقت ذاته سياق مملوء بالتحديات.
___نهج النموذج المنطقي
يستخدم مركز موريس هارغريفز ماكنتاير نهجاً للنموذج المنطقي في التقييم يتألف من ست مراحل، كما هو موضح في النموذج التالي:
يوصف التقييم بشكل متزايد بأنه "سرد قصة مشروع ما" (الصندوق الوطني لتراث اليانصيب، 2012) ويشرح النموذج المنطقي هذه العملية. يمكننا اعتماد هذا النهج في سرد "قصة" مجلس الإعلام، ومثلها مثل جميع القصص الجيدة فإن لها بداية ووسط ونهاية.
في البداية، لكي يكون التقييم هادفاً ومفيداً، نحتاج إلى فهم أربعة أشياء:
الأساس المنطقي: ما الهدف من إنشاء المتحف؟
الطموحات: ما هي رؤية المتحف وأهدافه وغاياته؟
المدخلات: ما هي الجهود التي يبذلها المتحف لتحقيق هذه الطموحات، من حيث اختيار الموظفين والمعارض والتصميم والتفسير والتكنولوجيا وفرص التعلم الرسمية وغير الرسمية والبرامج والفعاليات والمنشورات، سواء في موقع المتحف الفعلي أو على الإنترنت.
النتائج المرجوة: ما الأهداف التي يريد المتحف تحقيقها؟ يتم التعبير عن هذه النتائج إما كمخرجات (مثل عدد المعارض أو البرامج أو الزوار) أو كنتائج – أي الفرق الذي نريد إحداثه نتيجة لأنشطتنا - للأفراد والمجتمعات والقطاعات التي نعمل فيها.
أما الوسط، فإنه بمجرد أن يتم توضيح السياق، نحتاج إلى معرفة طريقة تقييم ما إذا كان المتحف قد حقق طموحاته وقدم النتائج المرجوة، والأهم من ذلك هو الطريقة التي استُخدمت من أجل تحقيق الأهداف المرجوة. يتطلب اكتساب هذا الفهم برنامجاً للرصد يتضمن تحديد المقاييس الصحيحة للمخرجات والنتائج، والطرق الأكثر فاعلية لتسجيل هذه البيانات، وكيف سيتم تحليل البيانات لتوفير رؤية هادفة.
أما المرحلة النهائية من التقييم فتكون بمراجعة ما تعلمناه، والتفكير في هذا العلم، واستخدام هذه الرؤية لإثبات التأثير وفهم ما نجح وأسباب نجاحه، والأهم من ذلك، تحديد ما فشل وسبب فشله. يمكن أن تساعد هذه الرؤية المتحف في التركيز على ما نجح، وإجراء تعديلات على ما فشل.
في هذه المقالة، وهي الأولى من أصل ثلاث مقالات، نستكشف البداية: كيف حدد مجلس الإعلام أساسه المنطقي وطموحاته ومدخلاته والنتائج المرجوة، لضمان أن يقوم برنامج الرصد اللاحق بجمع البيانات الصحيحة، بأكثر الطرق فعالية، لتقييم أعمال المتحف في سنته الأولى.
____وضع إطار عمل للتقييم قائم على الرؤية ومرتكز على النتائج
يتسم النهج الذي يتبعه مركز موريس هارغريفز ماكنتاير في تطوير أطر التقييم بالصرامة والإبداع في الوقت ذاته. وتتوج العملية بإصدار إطار تقييمي مؤلف من صفحتين الأولى تضم شجرة الاستراتيجية أما الثانية فتضم مصفوفة منهجية. قد تبدو هذه الوثائق بسيطة في ظاهرها، لكنها تمكن المتحف من نقل معلومات البرامج والمنهجيات المعقدة بطريقة مرئية واضحة، وبالتالي سهلة الفهم.
قبل عام من افتتاح المتحف تعاونا مع فريق مجلس الإعلام على مراجعة سياق المتحف وخططه واستراتيجياته. قام مركز موريس هارغريفز ماكنتاير في البداية بإجراء بحث مكتبي لمراجعة الاستراتيجيات والخطط الحالية للمتحف. ثم تمت دراسة نتائج البحث مع فريق المتحف من خلال ورشة عمل حضرها جميع الموظفين لتسهيل تطوير شجرة الإستراتيجية. شجرة الإستراتيجية عبارة عن صورة مرئية مؤلفة من صفحة واحدة تجيب على أسئلة مثل "لماذا وماذا ومن وكيف". هذه الأسئلة خاصة بالمؤسسة المعنية أو المشروع المعني (تجان، 2011).
تعمل شجرة الإستراتيجية وفق تسلسل منطقي قائم على ثلاثة مبادئ:
- الهرمية
الرؤية هي التي تحدد المهمة. تتم ترجمة المهمة إلى أهداف وغايات، بحيث يتم رفد الأهداف بواسطة الاستراتيجيات: أي الخطوط العريضة التي سيتم بها تحقيق الأهداف. تقدم هذه الاستراتيجيات المخرجات والنتائج، التي تتضح من خلال استخدام مؤشرات الأداء.
- بساطة ظاهرية لكنها تكشف الواقع
إذا بدت الهرمية بسيطة فالسبب هو أنها بسيطة فعلاً. لكن على الرغم من بساطة عرضها، إلا أن وضوح الشجرة ينبع من المراجعة الشاملة للخطط والتدقيق في ورش عمل الموظفين. يأتي تشبيه "الشجرة" من "الفروع" التي تربط بوضوح ما يريد المتحف تحقيقه (الرؤية، الرسالة، الأهداف، الغايات)، وكيف يخطط للقيام بذلك (الاستراتيجيات)، وماذا ستكون النتائج (المخرجات والنتائج). يضمن هذا النهج سهولة متابعة الطريق الذي سيتم من خلاله تحقيق كل هدف وغاية
- سهولة في قراءة الخطط من الأعلى إلى الأسفل أو العكس
إذا بدأت القراءة من أعلى الشجرة، ما عليك سوى إدراج كلمة "من خلال.." في كل مرة ترى فيها كلمة "انزل" درجة، أمام المستوى التالي: نحقق رؤيتنا من خلال الالتزام بمهمة؛ والمهمة تتحقق من خلال تحديد الأهداف؛ والأهداف تتحقق من خلال اتباع الاستراتيجيات. وبالعكس، يمكنك قراءة الشجرة من الأسفل إلى الأعلى من خلال إدراج عبارة "من أجل ..." لتوضيح الطريقة التي تخدم بها كل استراتيجية أحد الأهداف التي تساعد على تحقيق المهمة والرؤية.
في بداية هذه العملية، كان لدى المتحف رؤية ملهمة للغاية ذات أهداف وغايات واضحة. فقد تم تحديد مجموعة من مؤشرات وتدابير الأداء الرئيسية. لذا، كان تطوير شجرة الاستراتيجية بمثابة رسم خريطة على شكل شجرة، وتوضيح الاستراتيجيات التي تخدم الأهداف، وتحديد الأماكن التي تحتاج إلى مخرجات ونتائج إضافية تتجاوز مؤشرات الأداء الرئيسية الحالية.
بالنسبة لمجلس الإعلام، النتيجة كانت شجرة استراتيجية ذات سبعة أهداف موضوعية واسعة تشمل المحتوى الفني، ونهج التعلم، وزيادة عدد الزيارات، واستقطاب الجمهور، وبناء المعرفة، وكسب الاعتراف، وتقديم مستوى متميز. تم تصميم هذا بحيث يكون استراتيجية حية تتم مراجعتها وتكييفها في ضوء الآراء وردود الفعل المستمرة.
____نهج تعاوني ذو فوائد كبيرة
إن لتطوير شجرة الاستراتيجية بهذه الطريقة فوائد استراتيجية وعملية:
التحكم الواسع: إن تطوير الإستراتيجية بهذه الطريقة يعني أن يتم تشكيلها وصقلها من قبل الفريق المسؤول عن تقديمها، مما يؤدي إلى إنتاج استراتيجية مناسبة وقابلة للتحقيق.
الصرامة: يقوم النهج الذي يتم تشجيع الفريق على دراسته، بطرح الأسئلة وتحدي الاستراتيجية على مدى مراحل تطورها، بحيث يعكس الهيكل النهائي والمحتوى الطموحات والاستراتيجيات والنتائج الفعلية التي يسعى المتحف إلى تحقيقها.
الإبداع: يسهل هذا النهج المناقشة والتفكير الإبداعي. والأهم من ذلك أنه يحاول أيضاً تشجيع استخدام اللغة التي تعكس الرؤية والشغف والإبداع المتأصل في الهدف الفني للمتحف بدلاً من أن يكون ببساطة مجرد "حديث عمل".
تنمية المهارات: إن نهج التيسير والإرشاد يعني إمكانية تقاسم هذه المهارات مع المشاركين.
الفائدة البصرية: إن العرض البياني للاستراتيجية على شكل شجرة، مقنع من الناحية البصرية وبالتالي يسهل فهمه في كل أقسام المتحف.
____قياس الإنجاز
يتم استكمال شجرة الاستراتيجية بمصفوفة منهجية تأخذ المخرجات والنتائج من الشجرة ذاتها وتحولها إلى مؤشرات يمكن قياسها، ثم تحدد أنجع الأساليب لجمع هذه البيانات. علماً بأنه ستتم مناقشة مصفوفة المنهجية في مقال التقييم التالي.
المراجع
الصندوق الوطني لتراث اليانصيب (2012) Evaluation Good Practice Guidance. تم الاسترجاع من: heritagefund.org.uk/publications/evaluation-guidance
سان فيليبو، ل. كوبر، م. كجل، ب. ماركس، ن. موراي، و. وآخرون (2005) Proving and improving: a quality and impact toolkit for social enterprise. نيو اكنوميكس فاونديشن. تم الاسترجاع من: proveandimprove.org
جامعة سوينبرن للتكنولوجيا (2011) A Short Guide to Monitoring and Evaluation. تم الاسترجاع من: evaluationtoolbox.net.au
تجان، أ. ك. (1 يونيو 2011) Strategy on One Page، هارفارد بيزنس ريفيو. تم الاسترجاع من: hbr.org/2011/06/strategy-on-one-page
-
حقوق المؤلفين
جو هارغريفز
جو هارغريفز هي أحد مؤسسي شركة الاستشارات الدولية موريس هارغريفز ماكنتاير (MHM). وهي من الشخصيات الرائدة في مجالات التخطيط الاستراتيجي والتقييم وتطوير الجمهور في القطاعات الثقافية، وتتبوأ مركزاً طليعياً بين الأشخاص المعنيين بوضع الأطر اللازمة لاستكشاف الأثر الذي تحدثه الثقافة في حياة الناس وقياس قيمتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. أشرفت جو على مشاريع في كلٍ من قطر ونيوزيلندا وأستراليا وهونغ كونغ والمملكة المتحدة. وانطلاقاً من موقعها كمدربة ومرشدة بارعة، تقوم بإلقاء محاضرات حول التخطيط الاستراتيجي وتنمية الجمهور وتقييمه في جميع أنحاء العالم. وهي زميلة في الجمعية الملكية للفنون، وزميلة في معهد التسويق المعتمد، وعضو في جمعية أبحاث الأسواق وجمعية التقييم.
المحتويات ذات الصلة
تطوير منهجية تقييم مجلس الإعلام
هذه هي المقالة الثانية من أصل ثلاث مقالات تناقش عمليات تقييم المعارض في المتحف.
تقييم تجريبي للممارسة العملية في مجلس الإعلام
هذه هي المقالة الثالثة من أصل ثلاث مقالات تناقش عمليات تقييم المتحف للمعارض التي يقدمها.