اللغة في حالة تغيّر مستمر، مثلنا نحن البشر، فهي تتحول وتتشكل، تتبنى وتتكيف، تذوب وتصمم على إنشاء رموز تسمح للناس بالتواصل. بالنسبة لنا نحن البشر، يمكن للغة أن تساعدنا على التواصل أو أن تربكنا، تعزلنا أو تقربنا، تنوّرنا أو تقصينا. يتيح معرض خريف 2024 في مجلس الإعلام للجمهور التعمق في هذه اللغة التي يستخدمها أكثر من أربعمئة مليون شخص يومياً.
تتمتع اللغة العربية بقدرة رائعة على توحيد الناس من جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن جنسياتهم أو خلفياتهم الثقافية أو أديانهم أو قيمهم. إن طبيعتها المعقدة والمنطقية الجميلة مؤثرة جداً لدرجة أنه تم وضع تشريعات وخطط تمويلية للحفاظ على تنوعها وغناها.
على الورق، تعتبر اللغة العربية المكتوبة من أنجح اللغات في العالم. ورغم أن أكثر من أربعمئة مليون شخص ينطقون بها– بالعديد من اللهجات – إلا أن اللغة العربية وقعت ضحية لهيمنة اللغة الإنجليزية. إن تبني وتوسيع، نقل وتضييق، بسط وتقييد طبيعة اللغة العربية ربما جعلها تهيمن في وقتٍ من الأوقات، لكن اليوم يُنظر إلى هذه اللغة على أنها مهددة. إن تجزئة اللغة العربية اليوم يعرضها للمزيد من الانقسام بدلاً من الوحدة. لقد خلقت اللهجات المختلفة، ناهيك عن المفردات والأساليب النحوية واللهجات المتعددة، شرخاً في جميع المجالات. علماً بأن الحكومات والتلفزيونات ودور النشر حاولت جاهدة العثور على نسخة واحدة موحَّدة من اللغة العربية، نسخة تصلح للنشر على نطاق واسع. كانت هناك محاولات من قبل وسائل الإعلام والمشرعين والمؤسسات لتسليط الضوء على اللغة العربية، لكنها كانت مجرد محاولات شكلية. تتألف اللغة العربية من ثمانية وعشرين حرفاً، كلها حروف ساكنة يمكن كتابتها بأربع طرق مختلفة تختلف حسب موضع الحرف من الكلمة، وقد ثبت أن تعقيدها يشكل عائقاً أمام تعلمها والتكيف معها واعتمادها.
يتناول هذا المعرض مواضيع السيطرة والهيمنة والتأثير، ويركز في محتواه على الأثر الذي تتركه الكلمات والعبارات اليومية على ثقافاتنا، ويلقي الضوء على العلاقة الوثيقة التي ربطت هذه اللغة بالثقافات الأخرى على مدى أكثر من 1000 عام عبر الدين والسياسة والتجارة والعلوم. يسرد المعرض بعض القصص وراء أصول الكلمات التي تمثل معالم مهمة في التاريخ، ويشكك بالتهديدات التي تثيرها روايات وسائل الإعلام الغربية، ويكشف عن ديناميكيات وقوة اللغة العربية التي لا تزال ترسم حياتنا اليومية.
كان للغة العربية تأثير دام آلاف السنين على لغات العالم الأخرى. وسواء تحدثناها أم لا، فلا يمكننا إنكار تأثيرها العميق والمهم على الثقافات العالمية المختلفة. واليوم يجب علينا جميعاً أن نؤدي دورنا في الحفاظ عليها، فحدود لغتنا هي حدود عالمنا، شئنا ذلك أم أبينا.
-
حقوق البرنامج
أمل علي
أمل زياد علي خريجة جامعة نورثويسترن في قطر (دفعة 2018، بكالوريوس اتصالات) ومتدربة سابقة في مجلس الإعلام. ساهمت خلال دراستها في العديد من المشاريع البحثية والإبداعية، بما في ذلك المشروع المدعوم من قبل برنامج خبرات البحث الجامعي(UREP) حول التواصل الصحي في قطر، وحول الإنتاجات المسرحية والسينمائية. تعمل منذ تخرّجها مع مجلس الإعلام حول تطوير البرامج وورش العمل المرافقة للمعارض بما في ذلك معرض "الهويات العربية، الصور في الأفلام".