تحديات الأعمال العابرة خلف الكواليس

Apple_84

يتمحور الجزء الأكبر من عملي كأمينة سجلات المتحف حول تحديد وتأمين مصادر المحتوى (المعروضات المادية والرقمية)، التي يخطط القيّمون الفنيون لتقديمها في معارضهم. وبما أن مجلس الإعلام هو متحف يعتمد بشكل كبير على تقديم المحتوى الرقمي أو المرقمن، فإن هذا يثير العديد من التحديات. تنقسم هذه التحديات عادةً إلى فئتين: الأولى هي تحديد الملكية والثانية هي الاستخدام.

 إن جزءاً كبيراً من المحتوى الذي تقدمه معارض مجلس الإعلام هو في الأصل مادةً "عابرة أو سريعة الزوال" أي أنها صُنعت أساساً لتستمر فترة قصيرة فقط قبل أن يتم إهمالها أو إلغاؤها. يمكن أن تشمل هذه الأنواع من المحتوى أشكالاً مختلفة من الوسائط أو الفنون المادية والرقمية مثل الصحف والأفلام الإخبارية والإعلانات التلفزيونية، والقصص المصوَّرة، وملصقات الحملات الانتخابية، والنشرات الإعلانية، وغيرها، التي غالباً ما تُستخدم داخل معارضنا. إذن ما هي الصعوبات التي تواجه أمين السجلات في تأمين حقوق عرض عناصر مثل هذه من الناحية القانونية، لاسيّما وأنها صُنعت لأهدافٍ عابرة قصيرة الأجل؟

رغم أن هذه المواد أو الوسائط أو الفنون لم تعد تُستخدم إلا أن هذا لا ينفي ضرورة تحديد مصادرها والتصريح عن حقوق نشرها واستخدامها. ومن هنا فإن مهمتي هي العثور على أصحاب حقوق التأليف والنشر وطلب إذنهم لاستخدامها في معارض مجلس الإعلام. أول التحديات هو ذاك المتعلق بالملكية، أي تحديد هوية المالك الفعلي لحقوق الطبع والنشر، والذي يمكن أن يكون شركة واحدة أو أكثر أو أن يكون فرداً أو عدداً من الأفراد. كلما ازداد عدد الأشخاص المعنيين، كلما ازدادت الأمور تعقيداً، إذ يجب الاتصال بكل جهة أو شخص على حدة وأخذ موافقته. بعد الحصول على حقوق النشر وتأمينها، قد تبرز مشكلة الحصول على "نسخة صالحة للاستخدام"، والتي (نُفاجأ) غالباً بأن صاحب حقوق الطبع والنشر لا يملكها.

هناك صعوبات عديدة تواجه الساعي إلى توثيق حقوق المؤلف. أهم هذه الصعوبات هي أن الشركات الكبيرة - صانعة الإعلام الجماهيري - لا تملك في الغالب طريقة موثوقة للاتصال بأصحاب الحقوق. فنتفلكس مثلاً يُعدُّ مصدر بث معروفاً، ومن الطبيعي أن يرغب القيمون الفنيون في مجلس الإعلام بإدراج بعض عروضه وأفلامه في معارضهم، لكن الطريقة الوحيدة للاتصال بنتفلكس هي من خلال عنوان البريد الإلكتروني العام "@info". ومن المعروف أن هذا النوع من عناوين البريد الإلكتروني العامة نادراً ما يتم الرد عليها من قبل أي شركة كبيرة. كما أن اللجوء إلى خدمات البث والعثور على المنتج أو المخرج الأصلي لا يقل صعوبة لناحية جلب المحتوى من مناطق مختلفة. فالمواد التي تأتي من كوريا الجنوبية مثلاً، لا يوجد عليها في الغالب سوى عنوان بريدي عادي لشركة الإنتاج وأحياناً رقم هاتف. يؤدي هذا إلى ظهور تحديات كثيرة ومتنوعة مثل الاتصال الدولي، وحاجز اللغة، وإرسال رسالة طلب بالبريد العادي، ووقت انتظار، وتأكيد الاستلام، والقائمة تطول.

وهناك تحديات أخرى حول ملكية حقوق الطبع والنشر تبرز عندما يتم حل الشركة أو ينتهي العقد بين الشركة التي تنشئ الوسائط (على سبيل المثال، وكالة إعلانات) والعميل، مما يترك العمل المنتج في منطقة رمادية مع ملكية غير معروفة. فلنأخذ على سبيل المثال إعلان الأنقليس (ثعابين الماء) الذي أعدَّه بنك HSBC ويتناول فيه موضوع الفروقات الثقافية من عام 2002 (أدناه). كان هذا من المواد الرقمية التي أُدرجت في معرض "أسرار الإقناع" الذي نظَّمه المتحف (خريف 2021 - ربيع 2022). الجهة التي صُنع هذا الإعلان من أجلها هي HSBC، وهذا بنك دولي معروف ولا يزال يعمل ويقدم بريداً إلكترونياً عاماً "@info"، لكنني لم أتمكن من العثور على معلومات عن شركة الإعلان التي صنعته. اضطررت للاتصال بسلسلة مؤلفة من خمس شركات إعلانية مختلفة، نفت كل واحدة منها ملكيتها لحقوق الإعلان وأحالتني إلى شركة أخرى، ولم أتمكن من معرفة الجهة صاحبة الإعلان وحقوق الطبع والنشر الخاصة به. في هذه المرحلة، كان الشيء الوحيد الذي يجب فعله هو الحصول على النسخة الرقمية ووضع مسمى "قطعة يتيمة" (أي بيان يعلن أن العمل المعروض- وهو في هذه الحالة الإعلان- يتيم لأننا لم نتمكن من العثور على سند أو إثبات قانوني بشأنه).

 

لقطة من إعلان الأنقليس (ثعابين الماء) الذي أعدَّه بنك HSBC حول الفروقات الثقافية، 2002. بإذن من HSBC عبر Vimeo.

إن الحصول على نسخة رقمية من مادة عابرة سريعة الزوال هو فئة رئيسة أخرى مليئة بالتحديات، وهي تتأثر كثيراً بقضية الاستخدام الفعلي للمادة أو القطعة. يتعلق ذلك بالاستخدام الأصلي للمحتوى ويتطلب وجود نسخة رقمية أو مادية. نظراً للطبيعة المؤقتة للأعمال سريعة الزوال، فإنها لا تُصنع في الغالب من مواد عالية الجودة ولا يتم الاعتناء بها أو المحافظة عليها، مما يجعل العثور على المادة صعباً في كثير من الأحيان. يلعب مكان إصدار العمل الأصلي وعمره، دوراً رئيساً في تحديد ما إذا كانت هناك نسخة صالحة يمكن العثور عليها. كلما كانت المادة الأصلية أقدم، كلما زادت صعوبة العثور على نسخة أو صورة جيدة منها. وفوق هذا وذاك، لا تحتوي المواقع بما في ذلك مواقع منطقة الخليج، على أرشيفات كبيرة أو قواعد بيانات للمواد سريعة الزوال، مما يعني أن هناك اعتماداً أكبر بكثير على الأفراد الذين يمتلكون مجموعات خاصة لجمع هذه الأعمال والعناية بها ومشاركتها.

صورة لمنيرة رمضان عام 1975. كل ملصق من ملصقات الصورة على انستغرام "عُثر عليه ضمن كومة من المجلات الرياضية والثقافية السودانية القديمة".

 

لنأخذ على سبيل المثال المجلة الصادرة حوالي عام 1975 والتي تظهر فيها الرياضية السودانية وحَكَم كرة القدم منيرة رمضان (أعلاه)، والتي استخدمها المتحف في معرضه "الساحرة المستديرة" (خريف 2022). تحتوي هذه المجلة على صورة مرجعية واحدة ومصدر واحد معروف حالياً، هو شركة جانيس شتورتز. شركة شتورتز ليست مالكة حقوق الطبع والنشر ولا تشارك في إنتاج المجلة بأي شكل من الأشكال، لكنها تمكنت من العثور على المجلة ورقمنتها من مجموعتها الخاصة من المجلات السودانية القديمة، وشاركتها على حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي. لولا هذا النشر، لما تمكنتُ أبداً من تحديد موقع المجلة.

 

لقطة من إعلان شركة آبل التلفزيوني لجهاز كمبيوتر ماكنتوش، 1984. بإذن من شركة آبل. عبر شركة أرشيف F.I.L.M.

يمكن أن يكون إيجاد نسخ عالية الجودة من المواد الرقمية الأصلية تحدياً صعباً. فمع التقدم التكنولوجي المتواصل، يتم إلغاء التقنيات القديمة. يمكن أن يؤدي تحويل التنسيقات القديمة (مثل بيتاماكس والقرص المرن مقاس 8 بوصة، وغيرها) إلى تدهور جودة الصورة، مما يجعل المواد المقدَّمة في المعرض تبدو في حالة سيئة مقارنة بالمواد الأحدث، حتى لو تم تحديدها على أنها أفضل تنسيق يمكن أن يوفره مالك حقوق الطبع والنشر. يمكن أن يتضاعف هذا من خلال استخدام الشاشات عالية الدقة التي تجعل المواد القديمة "تبدو أسوأ". ومع أن التقادم المخطط له هو طبيعة الأعمال العابرة سريعة الزوال، إلا أن إعلان شركة آبل الشهير الذي عُرض عام 1984 أخذ هذا الأمر إلى أقصى الحدود، فقد تم بثه مرة واحدة فقط على التلفزيون الأميركي خلال مباراة البطولة السنوية للرابطة الوطنية لكرة القدم 18 (سوبر بول) (23 يناير 1984؛ اللقطة أعلاه). النسخ الوحيدة المتبقية من الإعلان التجاري مأخوذة من تسجيلات هذا البث لمرة واحدة، مما يجعل جميع الإصدارات المستقبلية نسخة عن نسخة، الأمر الذي يزيد من تدهور حالتها.

أخيراً أقول إن من الصعب العثور على أعمال صُنعت لأغراض عابرة تستمر فترة قصيرة فقط. كل واحد من الأمثلة المذكورة أعلاه هو دليل على صعوبة المهمة من نواحٍ عديدة، فهو يتطلب وقتاً طويلاً في البحث عن أصحاب حقوق النشر، ومن ثم العثور على نسخة لتضمينها في المعرض. هذه التحديات في تحديد الملكية والاستخدام موجودة في جميع الأعمال سريعة الزوال بغض النظر عن المجال الفني، وكل تحدٍّ فريد من نوعه مثله مثل العمل الفني نفسه، مما يعني أنه لا يوجد حل واحد لهذه المشكلة.

 

____يمكن الاطلاع على مزيد من النقاش حول إعلان آبل التجاري لعام 1984 ومكانته في تاريخ الإعلان الغربي في مقالة جون تايلي التي حملت عنوان تغيير قواعد اللعبة في الإعلان الغربي والتي نُشرت في كتاب "أسرار الإقناع: أصوات وحوارات"، الذي أصدره مجلس الإعلام بالتزامن مع معرض "أسرار الإقناع" في خريف 2021 - ربيع 2022.